الشهباء ــ ريم ربيع
لعل الدرس الأهم الذي يفترض تعلمه خلال الحصار الاقتصادي المفروض على سورية هو إيجاد بدائل محلية، لما حجب عنا، تغطي الحاجة وتؤمن تواصل الإنتاج بما يضمن استقراراً استراتيجياً لتفادي الأخطاء التي وقعنا فيها، وإن كانت الطاقة العصب الأساس لتواصل هذا الإنتاج فإن “فركة الأذن” القاسية التي تلقاها قطاع الطاقة كانت كفيلة بصحوة مفاجئة للتنبه لخطأ التجاهل أو “التغافل” عن استثمار الثروات المهدورة من موقع سورية الاستراتيجي بالنسبة للرياح والشمس وتمتعها بطاقة كمون عالية تتعدى البلدان المجاورة التي سبقتنا بمراحل في هذا المجال بسبب تركيز كامل اعتمادنا على الوسائل التقليدية في إنتاج الطاقة.
تلك الصحوة جعلت الحكومة تسارع لتدارك أزمة محدودية الطاقة عبر إعادة فتح ملف الطاقات المتجددة وتسليط الضوء عليه بشكل أكبر وجذب المستثمرين بأي وسيلة وتقديم مغريات لهم ليعاودوا نشاطهم في هذا المجال، لاسيما بما يتعلق بالمعامل والمصانع الخاضعة في إنتاجها لما يمكن توفره من الطاقة الكهربائية، إذ حاولت توعية المنتجين للتوجه إلى الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في تشغيل معاملهم، بعد أن أكدت مراراً أن البيئة التشريعية للاستثمار في مجال الطاقة جاهزة ومشجعة ولا يوجد أي مانع قانوني أمام الراغبين به، غير أن المعطيات مازالت في حدودها الدنيا ولم نلحظ حتى اليوم خطوات كبيرة أو مشاريع استراتيجية توحي برؤى متجددة لتدارك الظلام الذي عمّ لسنوات!
متواضعة
فحسب بيانات وزارة الكهرباء، بلغت الاستطاعة المرخصة بين عامي 2015 و2019 حوالي 36.545 ك. واط لكلا القطاعين العام والخاص، تتوزع لـ 613 ك. واط في دمشق، و11.410 ك. واط في ريف دمشق، وفي حمص 18.652 ك. واط، و1000 ك. واط في حماة، و3780 ك. واط في طرطوس، و1.090 ك. واط في السويداء، وبلغت الاستطاعة المنفذة منها 4.857 ك. واط، بينما يوجد 17 مشروعاً قيد الترخيص حالياً باستطاعة 51.347 ك. واط. وكانت وزارة الكهرباء أنشأت أول محطة توليد كهروضوئية في منطقة الكسوة باستطاعة 1.26 م. واط يوفرها 6 آلاف لاقط شمسي، وبتكلفة مليار ليرة، تولد 2 مليون ك. واط ساعي سنوياً، بما يكفي لإنارة 500 منزل خلال العام.
وتوضح الأرقام أن مشاريع الطاقات المتجددة مازالت فردية مبعثرة ومتواضعة دون رؤية استراتيجية فعلية تحدد الغاية من توزعها بهذا الشكل وتمهد للتوسع بها بشكل أكبر.
حلقة مفرغة
9000 ميغا واط كانت إنتاج سورية من الكهرباء في 2011، قبل بداية الأزمة، وكانت كمية تغطي 100% تقريباً من الحاجة، إلا أن كل هذه الاستطاعة ناتجة عن محطات التوليد التقليدية في غياب شبه كامل لمحطات تعتمد على الطاقات المتجددة. أما اليوم، ومع خروج العديد من آبار النفط عن الخدمة ونقص إمداد المحطات بالغاز والفيول والحصار المفروض على استيراد المشتقات النفطية والتخريب الممنهج الذي تعرضت له محطات التوليد، بات الإنتاج لا يتجاوز 4500 ميغا واط في أفضل الظروف، بعد أن وصل لـ 1200 م. واط في 2015/2016.
وفي حين تطمح وزارة الكهرباء للعودة لإنتاج 9000 م. واط مع حلول العام 2023، عبر صيانة كامل محطات التوليد وإنشاء أخرى جديدة وتزويدها بالغاز والفيول اللازمين لتشغيلها، لتعيد بذلك دورانها بذات الحلقة بصب كامل اعتمادها على الطرق التقليدية، تغيب الطاقات المتجددة عن استراتيجية الوزارة باستثناء عبارة “وضع تشريعات وتسهيلات لتوسيع ثقافة استخدام الطاقات المتجددة، وتقديم التسهيلات للشركات الراغبة بالاستثمار، وإحياء قروض استثمارات الطاقات المتجددة”، أي أنها ترمي الكرة في ملعب القطاع الخاص بعد أن قدمت ما لديها من تسهيلات وبيئة قانونية.
تخوّف
إلا أن الواقع يظهر خشية القطاع الخاص والمستثمرين من الدخول في هذا المجال بقوة، لأسباب عدة يرى خبير اقتصادي أن أهمها التكلفة الضخمة لإطلاق مشروع توليد كهرباء بالاعتماد على الطاقة المتجددة، والتي تجاوز ضعفي المحطة العادية، فالمستثمر اللاهث للربح السريع بأقل تكلفة يرى هذا المشروع عبئاً عليه، ولا يمكنه تحمل تكاليفه بمفرده، مقترحاً أن تنفذ المشاريع الكبيرة وفقاً للتشاركية بين العام والخاص بعد وضع أسس أكثر وضوحاً لقانون التشاركية وإصدار قانون الاستثمار، الذي طال انتظاره، حتى يمكن الاستفادة من هذا المجال الجديد وتوضيح التسهيلات المقدمة فيه.
رسمية
أما الخطوات الرسمية المتخذة في هذا الإطار فيمكن تحديدها بنقاط عدة، أولها قانون الكهرباء 32 للعام 2010، والذي أتاح للقطاع الخاص الاستثمار في الكهرباء بالطرق التقليدية والمتجددة، إضافة إلى القرار رقم 1763 تاريخ 31/5/2016 القاضي بتحديد أسعار الكهرباء المنتجة من الطاقات المتجددة بـ 56/63 ليرة لكل كليو واط ساعي منتج بالطاقة الشمسية، بينما حدد سعر الكيلو للطاقة المنتجة من الرياح بـ 43 ليرة، و53 ليرة للكهرباء المنتجة من الكتلة الحيوية، وهي أسعار تعتبر مغرية ومشجعة لأي مستثمر برأي الوزارة، كما أعلن مؤخراً عن تشكيل لجنة من كل قطاعات الحكومة مهمتها اقتراح صك تشريعي لقانون أو مرسوم لإحداث صندوق لدعم الطاقات المتجددة، مشابه لصندوق دعم السخان الشمسي، لكنه أشمل ويحقق نتائج أكبر، بهدف تشجيع مستهلكي الطاقة التقليدية، بشكل مباشر أو غير مباشر، في القطاع التجاري والصناعي والخدمي والزراعي وحتى المنزلي، للتوجه نحو استخدام الطاقات المتجددة، كما أعلن المصرف الزراعي عن منح قروض لتمويل شراء تجهيزات توليد الكهرباء بالطاقة المتجددة.
حياد!
وبما يتعلق بمركز بحوث الطاقة فرغم توجهه لتقديم الدراسة الفنية والاستشارات والخدمات للجهات العامة والخاصة، إلا أن أحد المآخذ عليه يتمثل بغياب التبني الفعلي للأفكار الجديدة، أو الاستفادة من مشاريع خريجي الجامعات وتبني أفكارهم ومقترحاتهم في تطوير استثمار الطاقات المتجددة، فالمركز الذي يفترض أن يشكل حاضنة جاذبة لهذه القدرات بات اليوم يأخذ دور المشرف والمراقب عن بعد، برأي خريجي الكليات الهندسية الذين يشاركون في معارض عدة محاولين أن ينقلوا مشاريعهم للنور دون جدوى.
من جانب آخر، يتعاون المركز مع جهات حكومية عدة لتنفيذ مشاريع ومنظومات تجريبية في مختلف المحافظات، حيث وقع اتفاقيات ثنائية مع وزارات التربية والتعليم العالي والصحة والإدارة المحلية والبيئة للاستفادة من أسطح مباني هذه الجهات وتركيب طاقات شمسية تلبي متطلباتها وتبيع الفائض للوزارة، وكانت آخر الاتفاقيات مع وزارة الأوقاف التي عممت على المساجد، البالغ عددها 10350 مسجداً، تركيب طاقة شمسية بديلة على أسطحتها لتوفر بذلك 17 مليار ليرة سنوياً.