الشهباء ــ طارق بصمه جي
ينحدر من أسرة فنية عشقت الكلمات الملتزمة والطرب الأصيل، ونشأ في بيئة مُحافِظة في مدينة حلب. بدأ المطالعة في سن مبكر فتأثر بالمتنبي، ثم انتقل لمتابعة نتاجات الشاعر الدمشقي نزار قباني متأثراً بأسلوبه وسحر تعابيره.
صفوح شغالة ابن حارات حلب العتيقة والمتيم بلهجتها، نظمَ الشِعرَ في أربع لهجات عربية، مستفيداً من أسفاره العديدة التي مكنته من التعمق في إتقان تلك اللهجات، متنقلاً بين معظم المحافظات السورية، ومؤدياً خدمة العلم في البادية السورية. كما جال شغالة في دول عربية عديدة مدة زادت على ربع قرن حتى يومنا الحالي، فاشتهر على الصعيدين المحلي والعربي، كما انتشرت قصائده على نطاق واسع حين غناها ولحنها عدد كبير من المطربين والموسيقيين في الوطن العربي، خصوصاً لكونه صاحب الكلمة الغنائية الملتزمة في زمن قلّ فيه أن نسمع ذلك!
بدأ شغالة مسيرته الشعرية في العام 1985، متعاوناً مع صديق قديم من أيام الدراسة، كان يشتهر منذ الصغر بإتقانه العزف على آلة العود، هو كامل بازرباشي، فأتت الصدفة بهذا اللقاء العفوي بعد مرور سنوات جمعتهما على مقاعد الدراسة، فعملا سوياً حينها حتى قدم في تلك الفترة ما يقارب 30 أغنية ولدت من رحم الإصرار والمثابرة وتحدي الذات، فجاءت أولى قصائده قوية لتفاجئ جميع من حوله، وكانت بعنوان “مش ح أرحم دمعتك” التي تقول كلماتها:
“مش عايزة افكر باللي كان
حبك نسيته بقالي زمان
ماتعاتبنيش!
ماتفكرنيش!
انت في قلبي ملكش مكان
حتى الإخلاص
نسيته خلاص
ونسيت محبتك
مهما تشكي
مهما تبكي
مش ح ارحم دمعتك!”.
كما استفاد الشاعر شغالة من خبرة الشاعر المرحوم أبو قدور خياطة الذي التقاه في السجن بعد أن تمت مخالفة الشاعر شغالة بعقوبة تموينية. ويضيف هنا قائلاً:
يقيني دائم في الله أن جميع المحن التي تصيبنا هي خير لنا لاحقاً، فمن خلال مكوثي في السجن مدة شهرين استفدت كثيراً من خبرة الشاعر القدير المرحوم أبو قدور خياطة، وحين خرجت أصبحت أقوى شعرياً وأبلغ في التعبير!
ومع هذا الإنجاز الملحوظ ذهب شغالة إلى منزله ليزف لوالدته خبراً مفاده أنّه سيبدأ مشواراً جديداً في العمل يرسم فيه الخطوط الأولى من لوحة جسدت ملامح موهبته التي كتبت بماء من ذهب.
لم ينس شغالة تعابير وجه والدته حين زف لها هذا القرار.. مشاعر اختلطت بين الدهشة والاستغراب والثقة واليقين بقرارات ابنها المثابر والطموح.. صفّوح.
بعد أيام وليالِ أضنى فيها السهر جفونه، توّجه الشاعر شغالة لتسويق كلماته التي لاقت إعجاب كل من حوله، وهو يبحث عن بارقة أمل تضعه على سكة النجاح، فقصد حينها الفنان ماجد عقاد، وقدّم له عدداً من القصائد.
بعد ذلك قدم شغالة 6 قصائد للفنان سمير جركس، فكانت نواة أحد ألبوماته التي لاقت شهرة واسعة آنذاك
نتاج غزير ومميز
تميز الشاعر شغالة برصيد ضخم من الأغنيات حنى وصل عددها اليوم إلى 1650 قصيدة مغناة، وهذا ما جعله رائداً في هذا المجال، خصوصاً أنه قدّم عدداً كبيراً من القصائد المميزة إلى شريحة واسعة من الفنانين العرب. كان من تلك القصائد “طبيب جراح” و”تخسر رهانك” لجورج وسوف، و”أهل العشق وأمانيه” لديانا حداد، و”أنسى غرامك راح” و”ليش أنا حبك جنون” لشادي جميل، و”فرصة عمر” لعاصي حلاني، إضافة إلى “ما أندم عليك” لنوال الزغبي، و”الحبييّب” لنجوى كرم، و”ليلي ويالللي” لوائل كفوري،
و”إرجع للشوق” لإليسا، و”تشكرات”، و”أهل المغنى”، و”لا حتى ثانية” لفلة الجزائرية، و”آني من ناح” للطيفة التونسية.
كما قدم شغالة العديد من القصائد لعدد كبير من فناني حلب، منهم نهاد نجار وعبود بشير، وسمير جركس ومصطفى سرميني وحمام خيري ووضاح شبلي وفؤاد ماهر ونور مهنا وميادة بسيليس، إضافة إلى شهد برمدا وناديا المنفوخ وعادل جراح وفاهه أوهانسيان والممثل محمد خير جراح.
كما أن بعض قصائده المغناة دخلت التراث الحلبي مثل “آهين يا حلب”، و”طول البنية”، و”قوموا نرقص عربية”.
وفي سورية، غنى قصائده كل من المطربين رويدا عطية وهويدا ووديع مراد وسمارة السمارة وخلدون سودان وكنانة القصير ووفيق حبيب وسارة فرح ونانسي زعبلاوي وريم نصري.
أما على الصعيد العربي فقد غنى قصائده عدد من الفنانين، منهم آلين خلف ودينا حايك وسوزان تميم وسيرين عبد النور وكاتيا حرب ومادلين مطر وكلوديا الشمالي وأمل حجازي وميسم نحاس ونيللي مقدسي وجورج الراسي وجو أشقر وسيمون حدشيتي وزين العمر وفارس كرم ومايز البياع ووليد توفيق وسعود أبو سلطان.
وتعامل شغالة مع عدد كبير من الملحنين العرب، لكنه خص بالذكر كلاً من شاكر الموجي وصلاح الشرنوبي ونهاد نجار وجورج مارديروسيان وعماد شمس الدين وطارق أبو جودة ووسام الأمير وسمير صفير ونور السعد والملحن الجزائري فاضل نوبلي، إضافة إلى سامي سنكري والمرحوم كامل بازرباشي.
كما وزّع قصائده المغناة عدد من الفنانين السوريين والعرب، منهم جان ماري رياشي وطارق عاكف ومدحت خميس وهادي شرارة وروجيه خوري وجو باروجيان ورافي ديكران وميشيل فاضل ومحمود عيد وأنس نقشي وعادل عايش وشيرو منان، إضافة إلى هاني طيفور وهشام بندقجي.
أغنية “طبيب جراح”
عن قصة تلك الأغنية، استفاض الشاعر شغالة متحدثاً عن انطلاق شرارة هذه الكلمات، فقال: لكل شاعر لحظات محددة تنطلق فيها الكلمات فيضاً دفاقاً، فتأتي أحياناً بصورة إلهام يتجسد بصوت من نحب، أو طيف مرئي يلهمنا صياغة متقنة لمخزون كلماتنا الدفين عبر السنوات.. “طبيب جراح” هي قصة حقيقية ولدت حين عاتبني والدي يوماً ما، قائلاً: كنت أتمنى أن تكمل مراحل تعليمك يا صفوح لأراك أمامي طبيباً شهيراً تداوي الناس بعلمك!
عجز لسان الشاعر شغالة عن الإجابة، وبقيت هذه الكلمات عالقة في ذاكرته، فتوجه ذات يوم إلى غرفته مُستذكِراً كلمات والده له، وكتب تلك القصيدة بدقائق قليلة:
“طبيب جراح قلوب الناس اداويها
وياما جراح سهرت الليل اداريها
شافوني قالوا متهني
من كثر الفرح بيغني
تعالوا واسألوا عني.. انا اللي بيّ جراح!
اطبا الكون ما تشفيني!!”.
وعن رأيه بمستوى الكلمات التي تكتب حالياً، أجاب شغالة: سأكتفي بالإجابة عن هذا السؤال بقصيدة لي تحمل عنوان “أهل المغنى” كتبتها للفنانة فلة الجزائرية، وأقول في كلماتها:
“مو كل شي بيلمع دهبا ابدا ابدا
ولا كل شي غنى طربا غنى طربا
المغنى يا اهل المغنى صاير عجبا
في مغنى ما لو معنى ولا فيه ادبا
المغنى فنو أصيل اللي يعرف سرو قليل
إن كان في الشرق ولا الغرب ولا في المواليل
فين اللي غنو يا زمان؟؟
فين الأغاني يا ليل؟؟
فين اللي سابو للهوا اجمل معاني؟؟
كان الطرب وأهل الطرب الهم مكانة
وضاع الطرب واهل الطرب صارو دعانه”.
الملحن الجزائري نوبلي فاضل
عن الصداقة التي جمعته مع الملحن الجزائري نوبلي فاضل، تحدث الشاعر شغالة قائلاً: مطلع العام 2000، تلقيت اتصالاً منه، وسعدت بزيارته لمكتبي في بيروت، فدار بيننا حديث مطوّل آنذاك، وسمع مني بعضاً من القصائد التي كان يرغب بإضافتها لأحد ألحانه المنجزة. وبعد مرور فترة، اتصل بي أخاه صلاح، وأبلغني أن الاستاذ نوبلي قد اختار فعلاً إحدى قصائدي التي سيتم تسجيلها قريباً.
وقد تعاونت مع الاستاذ نوبلي على مدى ما يقارب الـ 20 عاماً، فقدمت له عدداً من القصائد المغناة، والتي وصل عددها إلى أكثر من 15 أغنية، كما أن هناك عدداً أخر من الأعمال المشتركة سيبصر النور قربياً، وآمل أن تنال إعجاب المتابعين.
وأضاف: فخور بتعاملي مع الأستاذ نوبلي كونه قامة موسيقية مهمة على صعيد الوطن العربي، غنى من ألحانه عدد من كبار الفنانين، أمثال الأساتذة وديع الصافي ولطفي بوشناق وشادي جميل وصفوان عابد وفؤاد ماهر، إضافة إلى سارة فرح.
وعن عشقه وانتمائه لمدينة حلب، يقول شغالة: حلب أخذت جزءً كبيراً من كتاباتي، وأنا أفتخر بذلك، فحلب هي أقدم مدينة عرفها التاريخ، وأنا فخور أني ولدت فيها، ففي حلب أشياء كثيرة ملهمة للروح والفؤاد، وقد كتبت كثيراً عن أسواقها وعاداتها وتقاليدها، وعن صمود أهلها في وجه الإرهاب، وتشبثهم بالأرض وإصرارهم على متابعة العمل، وذلك بقصائد عدة، منها “عجب صمودك يا حلب”، كما انني أشعر بالفخر أني نشرت اللهجة الحلبية من خلال أغنياتي التي قام بغنائها عدد كبير من المطربين العرب!
مهرجان الأغنية
عن مهرجان الأغنية السورية الجميل، قال شغالة: لربما من الخطأ أن يتوقف مهرجان الأغنية السورية، خصوصاُ كونه كان يجمع عدداً كبيراً من الشعراء والملحنين والمطربين، إضافة إلى فرق الرقص الشعبي، وبالتالي لا نستطيع أن ننكر أن هذا المهرجان حقق نقلة نوعية في الأغنية السورية، محلياً وعربياً، وحين توقف لم يعد هنالك دافع لدى الشعراء والمطربين والملحنين لأن يقدموا مواهبهم ويظهروا إبداعاتهم مع كل عام.
مطربو حلب
عن علاقنه بمطربي حلب، تنهد الشاعر شغالة طويلاً، وأجاب: معظم مطربي حلب الشهباء أحترمهم وتجمعني ببعضهم صداقات عميقة، إلا أن أكثرهم قرباً إلى قلبي هما الفنانان سمير جركس وفؤاد ماهر اللذان لم ينقطعا عن الاتصال بي على مدى سنوات عديدة، خصوصاً أن الفنان فواد ماهر بقي ملازماً لي معنوياً خلال فترة دخولي للمشفى في حلب مؤخراً، فتلك المواقف الأصيلة والوفية.. حقاً لا تُنسى!!
أخيراً، لم يمنع المرض الشاعر صفوح شغالة من متابعة كتاباته المميزة، كما أنه لم يبخل بدعم عدد من المطربين الحلبيين من خلال تقديمه القصائد الشعرية لهم كعربون تشجيع ومحبة، ووفاء لوطنه سورية، ولمعشوقته الأولى والأخيرة: حلب.