الشهباء ــ آلاء أبو ردن
لن تنسى مدينة حلب المعاناة الأقسى والأصعب التي ذاقت ويلاتها خلال الحرب الإرهابية الأخيرة، عندما قامت العصابات الإرهابية بقطع مصادر مياه الشرب كافة عن كامل المدينة وريفها مدة وصلت إلى ستين يوماً، حيث شكل هذا المفصل الهام والحساس ورقة ضغط وتحدٍ كبير على الحكومة والمواطنين ما لبث أن انهار أمام الصمود الأسطوري للمدينة وأهلها وأمام تضحيات الجيش العربي السوري واستبساله في تحرير المدينة وإعادة سبل الحياة التي لم يدخر الإرهابيون أي جهد في منعها عن المدينة، فمنظومة المياه تشكل أحد أهم ركائز النمو الاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى كونها العامل الأول والأهم لاستمرار الحياة، لذلك كانت حرب الماء هي الحرب الأقوى والأشرس خلال سنوات الحرب من خلال قطع العصابات الإرهابية للمياه من مصادرها الرئيسية.
إيجاد البدائل
المهندس يوسف كردية، المدير العام لمؤسسة المياه والصرف الصحي بحلب، أشار إلى أن الحكومة لم تقف عاجزة ولم تستسلم أمام ذلك الظرف القاسي، بل سعت جاهدة وبأقصى الطاقات لإيجاد حلول بديلة إسعافية قامت بها المحافظة لتأمين مصادر أخرى للمياه لمنع حدوث كارثة حقيقية تعود بالضرر الجسيم على المدينة وأهلها من جراء قطع مياه الشرب عنها، خاصة وأن جريمة الإرهابين تلك لم تكن ليوم أو ليومين، بل استمرت أكثر من 60 يوماً.
وفعلاً، كانت هذه البدائل من حفر آبار ارتوازية وتأمين صهاريج متنقلة للمياه وتركيب خزانات، وغيرها، حلاً إسعافياً ناجحاً ساهم إلى حد كبير في إنقاذ المدينة وأهلها وتخفيف وطأة المعاناة عنهم قدر الإمكان.
أضرار هائلة
في متابعة للواقع المائي، بين المهندس كردية أنه وبعد تحرير المدينة من رجس الإرهاب تم مباشرة التحرك وبوتيرة سريعة لمعالجة الواقع المائي، وبدأ العمل أولاً بحصر أضرار الشبكة المائية التي تعرضت لتخريب جسيم ودمار كبير وممنهج بقصد إخضاع المدينة وزيادة معاناة الأهالي، سيما وأن المياه هي عنصر الحياة، إضافة إلى الظروف المريرة الأخرى التي تعرضت لها المدينة مع الحصار الاقتصادي والقتل والخراب والدمار، فكانت الأضرار هائله وقدرت كلفتها بمليارات الليرات السورية.
تغير واضح
يوضح مدير عام المؤسسة أنه، ومنذ بداية العام 2019، تغيرت خطة العمل المتعلقة بالمنظومة المائية، حيث تم وضع دراسة واضحة وخطط استراتيجية لزيادة منسوب الضخ المائي لأحياء مدينة حلب، ومن أهم العوامل التي ساعدت في إنجاح هذا العمل وزيادة المخزون المائي هو موسم الأمطار ومعدلات الهطول المرتفعة في هذا العام، كذلك توفر الطاقة الكهربائية لتشغيل محطات وعنفات الضخ الرئيسية.. كل ذلك أسهم وبشكل كبير في تخفيض ساعات التقنين إلى حدودها الدنيا، ما أدى إلى تغيير واضح وملموس في المشهد المائي.
مشاريع وإنجازات
يتابع المهندس كردية: كان من أهم المشاريع التي قامت مؤسسة المياه في حلب إنجاز مشروع إدخال محطة ضخ جديدة في الخفسة، وهذا المشروع هو عبارة عن إدخال أربع مضخات استطاعة كل واحدة منها 4500 م3 في الساعة، الأمر الذي يسهم في زيادة كمية المياه الواردة إلى حلب بمقدار 100.000 م3 في اليوم لتعويض الاستهلاك المتزايد للمياه في فصل الصيف، كما تم وضع ثلاث مجموعات توليد ديزل في المحطة استطاعة كل واحدة منها 2 ميغا لتشغيلها في حال انقطاع التيار الكهربائي، وفي الحالات الضرورية، وتقدر الكلفة الإجمالية لهذه المحطة بحدود 4 مليار ليرة.
وبالتوازي، تقوم المؤسسة بأعمال الصيانة والإصلاحات الدورية للمحطات وخطوط الجر، ومنها استبدال خط السحب في محطة ضخ “غديني عشيني”، كما تم تركيب التجهيزات الميكانيكية والكهربائية لإرواء القرى المحيطة بالمركز، والتي يتجاوز عددها 15 قرية.
.. وللريف حصة كبيرة
ويبين مدير عام مؤسسة المياه أن الريف حظي باهتمام كبير، وقد أدرجت عشرات المشاريع ضمن خطط الوزارة والمؤسسة خلال العام الحالي، بالتوازي مع المشاريع التي تم إقرار تنفيذها في المدينة. وفي هذا الإطار، تم تنفيذ العديد من المشاريع، وما زالت هناك مشاريع قيد الإنجاز أبرزها مشروع إرواء مسكنة غرب والقرى المحيطة بها، وهي حوالي 40 قرية، وهذا المشروع هو عبارة عن إنشاء مأخذ مائي جديد بكلفة تقديرية تبلغ 250 مليون ليرة، وكذلك إعادة تأهيل محطتي التصفية والضخ بكلفة قدرت بـ 350 مليون ليرة، كما تم تأمين المياه إلى العديد من القرى من عدة مصادر هي مأخذ خان الشعر لإرواء حوالي 52 قرية في الريف الشرقي، ومشروع مسكنة شرق الذي يروي قرابة 45 قرية، ومشروع مياه أم خرزة الذي يروي 14 قرية، ومشروع أم خروع الذي يروي 25 قرية، ومشروع مياه المزبورة الذي يروي 3 قرى. وقد تم الانتهاء حالياً من إعادة تأهيل محطة ضخ عين البيضة والتي تروي 15 قرية.
مشاريع جاري تنفيذها
ويتابع المهندس كردية: تقوم المؤسسة حالياً بتنفيذ أعمال توسيع شبكة المياه في بلدة نبل، بكلفة تقديرية بلغت 220 مليون ليرة، وإنشاء خزان عال مع شبكة مياه في حي الروضة، في بلدة نبل أيضاً، بكلفة 150 مليون ليرة، وخزان عال في منطقة الجمعية، في نبل كذلك، بكلفة 120 مليون ليرة، وبذلك تصل القيمة الإجمالية إلى 500 مليون ليرة سورية، إضافة إلى حفر آبار مياه في قرية الزهراء، كما تم تجهيز الريف الشمالي بعشرة آبار بكلفة بلغت 250 مليون ليرة لتأمين مياه الشرب إلى جميع الأهالي في هذا الريف.
التوسع إلى كامل الريف
في إطار الحديث عن خطط العمل في مناطق الريف، أشار المهندس كردية إلى أن هناك اهتماماً كبيراً في الريف الجنوبي بضرورة إيصال مياه الشرب إليه، كونه ريفاً فقيراً جداً بالمخزون المائي، وبالتالي تعمل المؤسسة حالياً على إعادة تأهيل وتجهيز مشروع إرواء جبل الحص، فقد تم الانتهاء من تجهيز محطة أبو اصفيطة، والعمل جار لانهاء محطة باشكوي ومحطة بنان، وهذه المحطات الثلاث تروي حوالي 70 قرية، إضافة إلى البدء بأعمال صيانة خطوط الشبكة التي خربها الإرهابيون لإعادة وضعها بالخدمة وتجهيز وتشغيل العديد من الآبار لتأمين المياه للأخوة المواطنين في الريف الجنوبي، وبشكل إسعافي، لعدة قرى منها عبطين وبردة والسابقية والمرحمية وعزان وحريبل والذهبية وغيرها، بكلفة 150 مليون ليرة، كما يتم تجهيز آبار في جور الورد وخناصر، ونسعى لتأمين مصادر أخرى إضافية للمياه.
أعمال في الأحياء المحررة
وبما يخص أحياء المدينة المحررة والمتضررة جراء الإرهاب، أوضح المدير العام كردية أن العاملين في مؤسسة المياه يعملون جاهدين وبأقصى الطاقات الممكنة لتأهيل وصيانة الشبكات في الأحياء المحررة والسيطرة على التسريبات، حيث تجاوزت نسبة الإنجاز في هذه الأعمال 80%، ومازال العمل مستمراً، كما تسعى المؤسسة لتحصيل المفاتيح الرئيسية والفرعية الواصلة للأبنية المهدمة والمهجورة للتخفيف من الهدر والتسريب، وتقوم ورشات الصيانة فوراً بمعالجة أي خلل أو عطل طارئ قد يحصل، إضافة إلى تفعيل لجان الضابطات المائية وحث المواطنين على تركيب العدادات لكي لا يتعرضوا للغرامات المالية وكذلك تنظيم حركة الاستهلاك.
صعوبات ومعوقات
وفي سياق متصل، أشار المهندس كردية إلى أنه، وبالرغم من السعي الحثيث ومضاعفة الجهود لصيانة وتأهيل المنظومة المائية وتحقيق الاستقرار المائي وإعادته إلى ما كان عليه قبل الحرب الإرهابية، يعترض العمل الكثير من الصعوبات والمعوقات التي تقف عثرة في طريق دوران عجلة الإنجاز، وتحول أحياناً دون متابعة الأعمال، وقلة الآليات تتصدر هذه الصعوبات، إضافة إلى قلة اليد العاملة نتيجة التسرب في الكوادر البشرية خلال سني الحرب الإرهابية، ونسعى حالياً لرفد المؤسسة بكوادر مختلفة من اختصاصين ومهندسين وفنيين وعمال ومحاولة تأمين الآليات المطلوبة لتعويض الفاقد الآلي والبشري.
خطط مستقبلية وتطلعات
وحول خطط المؤسسة المستقبلية، أشار المهندس يوسف كردية المدير العام لمؤسسة المياه إلى أن الخطط القادمة للمؤسسة تتمثل في العمل والسعي لاستبدال مضخات مشاريع الضخ في محطات المعالجة والتعقيم، وذلك لزيادة كميات المياه الواصلة للمدينة، وتغذية أبعد نقطة في المدينة وريفها، كما نعمل على تجهيز برامج لترشيد استهلاك المياه والحفاظ عليها، مضيفاً أن المؤسسة تتطلع إلى إنجاز جميع الأعمال والمشاريع المطلوبة وفق المواصفات والمعايير المعتمدة وضمن المدد الزمنية الموضوعة ضمن خطط هذا العام، بهدف ايصال المياه إلى المواطنين كافة في المدينة والريف، وبالتالي إنهاء برنامج التقنين الذي هو الآن بحده الأدنى.
وتمنى المهندس كردية على المواطنين التعاون والتقليل من هدر المياه.
&&&&&&&&&
أرقام
بين المهندس كردية أنه تم وضع ١٣ مركز جباية بالخدمة، وافتتاح ٤ مراكز في ريف المحافظة، في كل من السفيرة ومسكنة ودير حافر ونبل، وسيتم لاحقاً افتتاح ٣ مراكز جباية في مدينة حلب في كل من باب النيرب والمشهد وبستان القصر.
وبلغ عدد المشتركين في مدينة حلب ٦٣٣٧٣٥ مشتركاً، وفي الريف ٢٣٢٤١٧ مشتركاً، وتسعى المؤسسة لتأمين عدادات جديدة لزيادة عدد المشتركين خلال الفترة القادمة، وقد تم اعتماد وصلة معدنية بدلاً من العداد في المناطق المتضررة بصورة مؤقتة لحين تركيب العدادات النظامية يدفع خلالها المشترك مبلغاً مالياً شهرياً بقيمة ٧٥٠ ليرة سورية.
تصوير – يوسف نو