ا
الشهباء ــ آلاء أبو ردن
تزخر مدينة حلب القديمة بكنوزها الأثرية وأوابدها التاريخية، وهي ما زالت تشكل حالة إلهام للباحثين والمفكرين لعمق هذه الحضارة التي تمتد جذورها الى آلاف السنين، فعلاوة على ما تمتاز به المدينة القديمة من معالم تاريخية دينية وتعليمية وتجارية واقتصادية، تكتسب أحياؤها صبغة خاصة بانسيابيتها وتقوسات مداخلها ونقوشات زواياها وفضاءات إيواناتها المزهوة بنوافيرها وعبق ورودها.
ومن هذه الأحياء الجميلة حي البياضة بموقعه الحيوي والاستراتيجي الذي يشكل نقطة التواصل بين مركز المدينة القديمة والقلعة، والذي مازال يحتفظ ببريقه ونسيجه العمراني الأصيل، ويضم أحد أهم وأكبر أبواب المدينة وهو باب الحديد.
ويقع حي البياضة في الجهة الشمالية الشرقية من قلعة حلب، وهو حي حلبي قديم بني داخل أسوار المدينة القديمة؛ وجاءت تسميته – وفق روايات ساكنيه – بسبب أرضية الموقع الذي بني عليه الحي، والتي كانت عبارة عن تربة بيضاء حوارية،
ويخالف الحاج أبو محمود، وهو من سكان الحي، هذا الرأي، إذ يؤكد – وفق ما سمعه من أجداده – أن التسمية جاءت بسبب وجود خان شهير في الحي كان مخصصاً لبيع البيض، وهذا الخان لم يعد له وجود الآن بسبب التغييرات التي طرأت على جغرافية الحي، الا أن الأهالي من كبار السن مازالوا يتذكرونه، مشيرين إلى أن الخيم والمحال والقوافل التجارية كانت تنتشر على جانبي الطريق المؤدي إلى الخان.
ويشكل الحي نقطة جذب سياحي ومقصداً للوافدين من داخل وخارج سورية لما يحتويه من أوابد تاريخية وأثرية ودينية، ولقربه من قلعة حلب. يضاف إلى ذلك أن الحي كان على الدوام هدفاً للباحثين وطلبة العلم للغوص في تفاصيل ودقائق الحي لناحية نسيجه العمراني اللافت والمتناسق وطبيعة الحياة الاجتماعية فيه.
ويقول الباحث في علوم الآثار، المهندس عبد الله حجار، أن حي البياضة من أهم أحياء حلب القديمة، وكلمة “البياضة” تلفظ بتخفيف الياء وليس بتشديدها، وهي من محلات مدينة حلب الواسعة، وكان يمر بجانبها السور القديم قبل أن تتوسع مدينة حلب ويبنى سور آخر لها كان يحيط بالمدينة. وهكذا أصبح الحي داخل الأسوار ويقع شمال شرق القلعة.
وجاء سبب تسمية الحي بالبياضة بسبب شارعها قبل أن يبلّط، فقد كانت أرضيته من الحوّار الكلسي الأبيض، أو أن المحلة كانت تشتمل على خان مختص ببيع البيض، حسبما ذكر المؤرخ الحلبي الشهير “الغزي” في كتابه (نهر الذهب في تاريخ حلب).
ومن أهم أوابد الحي الأثرية جامع الصروي الذي يعود بناؤه إلى العام 780، وقد قام بتشييده الحاج ناصر الدين بن محمد بدر الدين بتلنك الصروي. وفي العام 920 هجرية أنشأ تتمته علي بن سعيد الملطي وجعلها مدرسة ملحقة به.
وجامع الحموي الذي أنشأه الحاج محمد بن داوود النوري المغربي في العام 986 هجرية، ودُفن فيه، وفي العام 1183هجرية جدده ووسعه الحاج حسن بن عبد الرحمن الحموي، وعمّر له.
كما يضم الحي عدداً من المساجد وحماماً، بُني في العام 854 هجرية، ما زال أثره حتى الآن، ومصبغة وقيساريات دُثرت وزوايا دينية كانت لها شهرتها، ومنها الزاوية البهادرية التي بُنيت في العام 841 هجرية، والتكية الإخلاصية (الرفاعية) وهي ما زالت قائمة وقد بُنيت حوالي العام 1044هجرية، ونُسبت إلى الشيخ إخلاصي الخلوتي نزيل مدينة حلب الذي توفي في العام 1074 هجرية، وقد أمر بإعمارها الوزير الأعظم محمد باشا الأرنؤد حين حضر إلى حلب لإصلاح بعض أحوالها، فعمرت وأمر بشراء أملاك وقفها عليها.
ومن أوابد حي البياضة أيضاً المدرسة الكلتاوية التي بنيت في العام 787 هجرية، وقد زارها واهتم بها السلطان العثماني سلي.
وحي البياضة كغيره من أحياء حلب القديمة تعرض إلى أضرار كبيرة جراء اعتداءات العصابات الإرهابية المسلحة، وهو الآن في طور التعافي بعد تحرير حلب من الإرهاب وعودة الحياة للمدينة القديمة عموماً.