الشهباء – معن الغادري
تصوير – يوسف نو
لم يكن استهداف المنظومة التعليمية من قبل العصابات الإرهابية المسلحة خلال سنوات الحرب الظالمة عبثيا ومن قبيل المصادفة بل كان مخططا ومبرمجا وفق أجندة خارجية تدار في مراكز عمليات الدول والأطراف الداعمة والممولة للإرهابيين بهدف تعطيل مسيرة العلم ونشر ثقافة الجهل والفكر الوهابي الظلامي وتشويه هويتنا وتاريخنا وديننا الحق وتحييدنا عن معتقداتنا ومبادئنا التي تقوم على التنور والتسامح والتعايش المشترك والتجذر بأرض الوطن والدفاع عنه.
وفي الحديث عن الحرب الإرهابية وما خلفته من دمار وخراب في البنية التحتية والفوقية لمكونات مدينة حلب وما رافقها من قتل وخطف ونهب وسرقة، تبقى صور الأطفال الذين ارتقوا شهداء وهم على مقاعد الدراسة ماثلة أمام أعيننا وحاضرة في كل زمان ومكان لتكشف حقيقة الوجه البشع والقذر للإرهابيين الذين قتلوا براءة الأطفال وسرقوا وخطفوا أحلامهم وطموحاتهم ودمروا وحرقوا المدارس ومنابر العلم وحولوها إلى منابر لنشر الجهل وثقافة القتل والدمار.
إرهاب ممنهج
ويؤكد مدير تربية حلب إبراهيم ماسو أن الحرب الإرهابية ورغم شراستها لم تنجح في تعطيل مسيرة التحصيل العلمي في المدينة، بل استمرت وبإرادة صلبة وقوية من قبل الطلاب والأهالي الذين تحدوا الإرهاب بكل أشكاله وأصروا على متابعة تعليمهم، وهو ما دعم صمود المدينة في وجه الإرهاب الذي اندحر إلى غير رجعة بفضل تضحيات أبطال جيشنا العربي السوري والدماء الطاهرة والذكية التي أينعت نصرا مؤزرا.
ويضيف ماسو لقد تعرضت المنظومة التعليمية بمجمل مكوناتها ومفاصلها إلى أضرار جسيمة وبالغة قدرت بعشرات المليارات، جراء قيام الإرهابيين بقصف المدارس داخل المدينة والاستيلاء على عدد كبير من المدارس في المدينة والريف وسرقة محتوياتها وتجهيزاتها وتحويلها إلى مقرات وأمكنة لممارسة القتل والتعذيب بحق الأهالي الذين رفضوا وجودهم وتأييدهم.
وأشار إلى أن السنوات الأولى للحرب كانت صعبة وقاسية جدا وشكلت تحديا كبيرا لنا جميعا كأسرة تعليمية وتربوية في المحافظة، وخيارنا الوحيد كان الصمود وتوظيف كل الإمكانات المتاحة والجهود لاستمرار العملية التعليمية، وهو ما شكل صفعة قوية للإرهابيين الذين فشلوا في إخماد جذوة العلم وثني أهالي حلب عن صمودهم وإرادتهم في التصدي للجهل والفكر الإرهابي الوهابي الظلامي.
اهتمام استثنائي
وبين مدير التربية أن عملية انتظام واستقرار العملية التعليمية شكلت صلب متابعة واهتمام قيادة الحزب والحكومة ووزارة التربية على وجه الخصوص، والذين حرصوا على توفير كل الدعم والإمكانات لإزالة آثار الإرهاب والنهوض مجددا بالواقع التعليمي.
وفي البداية واجهتنا ظروف صعبة بسبب خروج عدد كبير من المدارس من الخدمة نتيجة الأضرار التي لحقت بها جراء الإرهاب وتخصيص جزء كبير منها مراكز لإيواء الوافدين، وهو ما دفعنا في البداية إلى تنظيم الامتحانات الفصلية والنهائية في جامعة حلب، ومع مطلع عام 2014 تم العمل وفق خطط إسعافية بإخلاء مراكز الإيواء والبدء بعمليات تأهيل وصيانة المدارس المتضررة ووضعها في الخدمة مجددا.
بعد التحرير
ويتابع السيد ماسو: بعد تطهير حلب من الإرهاب تم وضع خطط للتدخل الفوري في الأحياء والمناطق المتضررة، وكانت البداية بإعادة تأهيل مدرسة أبي خليل القباني في منطقة هنانو، وتخصيص 69 غرفة صفية مسبقة الصنع كخطة إسعافية في المناطق المطهرة بالمدينة والريف، تبعها المباشرة فورا بصيانة 50 مدرسة، تبعها مرحلة ثانية من عمليات التأهيل والصيانة للأقل تضررا، ليصبح العدد الإجمالي للعام الدراسي الجديد حوالي 150 مدرسة من أصل 420 مدرسة متضررة ضمن الأحياء المطهرة. وكحلول مؤقتة تم تخصيص غرف صفية مسبقة الصنع في المدارس المتبقية والمدمرة كليا.
خطط موازية في الريف
وبالتوازي، يقول ماسو أن العمل مستمر بوتيرة عالية لصيانة وتأهيل المدارس في الريف الشرقي المطهر تباعا، وعلى مراحل وفق الأولوية والكثافة السكانية، وخلال الموسم الدراسي الأخير تم عودة أكثر من 75 ألف طالب وطالبة إلى مقاعد الدراسة في مناطق مسكنة ودير حافر وريف الباب والخفسة وسمعان الشرقية، بعد أن تم تجهيز حوالي 300 مدرسة، يقابل ذلك عودة حوالي 100 ألف طالب وطالبة إلى مدارسهم في الأحياء المطهرة لمدينة حلب.
تعويض الفاقد التعليمي
وحول خطط المديرية بما يخص تعويض الفاقد التعليمي للطلاب الذين فقدوا فرصهم في التعلم نتيجة الإرهاب، أوضح ماسو أنه تم العمل على محورين: الأول تقديم الدعم النفسي من قبل فريق متخصص، بالتعاون والتنسيق مع منظمه طلائع البعث وجامعة حلب، وذلك إيمانا منا بحاجه الطفل إلى إعادة تأهيله نفسيا واجتماعيا.
ونركز في المحور الثاني على تطبيق منهاج “الفئة ب” المكثف، وهو يؤمن ظروف مناسبة للطالب المستهدف لدراسة العام الدراسي على مدى عامين وعلى مراحل، وفي هذه الحالة يخضع الطالب لسبر، ومن ثم يوضع بالمستوى المناسب على أساسه، بإشراف مدرسين مختصين خضعوا لدورات على هذا المنهاج، ونعتقد أن هذا البرنامج حقق نجاحا لافتا ولاقى استجابة وارتياحا واسعا في أوساط الطلاب المستهدفين وأهاليهم، وبالتالي انعكس إيجابا على استقرار العملية التربوية.
واستكمالا لهذا المشروع تم تخصيص 22 مدرسة للطلاب المكملين في المراحل الانتقالية بحيث يخضع الطالب إلى دورة تعليمية لمدة شهرين يختبر في نهايتها بالمواد التي رسب بها، وذلك بالتنسيق مع وزاره التربية ومنظمة اليونسكو التي ترعى هذا المشروع، يضاف إلى ذلك ما تم إنجازه على مستوى تطوير المناهج في أربعة صفوف، هي الثاني والخامس والثامن والحادي عشر، وحاليا يتم تدريب حوالي 5000 معلم لإعطاء هذه المناهج، والانتقال من حالة التعليم إلى حالة التعلم بطرق حديثة ومطورة بعيدا عن التلقين.
ولأهمية هذا المشروع وإنجاحه، وإنجاح العملية التعليمية والتربوية بشكل عام، تم إخضاع المعلمين لدورات الدعم النفسي والمرشد النفسي والاجتماعي ليتسنى له إمكانية معالجة كافة القضايا والمشكلات التي تواجه الطلاب.
تعويض الفاقد في الكادر التدريسي
وبما يخص خطوات مديرية التربية لتعويض النقص الكبير في الكادر التعليمي والتدريسي، كشف ماسو أنه تم مؤخرا تعيين حوالي 3400 مدرس لتغطية حاجة الريف من الكادر التعليمي، وآلية التعيين ستخضع إلى شروط ومعايير تسلسل النجاح مع مراعاة ظروف ذوي الشهداء، وبهدف التخفيف على المعلمين الجدد تم التنسيق مع شركة النقل الداخلي لتأمين وسائل النقل والتعاون مع أمناء الشعب الحزبية لتأمين الإقامة لمن يرغب من المعلمين.
عدالة في التنقلات
وحول موضوع التنقلات داخل المدينة، أكد مدير التربية ابراهيم ماسو أن عملية التنقلات السنوية ونصف السنوية تتم ضمن نظام حاسوبي مؤتمت بحيث يتم إملاء الشاغر حسب القدم الوظيفي، وهو الرائز الذي يحكم هذه الآلية، مؤكدا أنه لن يقبل أو يسمح بحدوث أي خلل في هذا الملف باستثناء حالات خاصة بذوي الشهداء، مطمئنا الأسرة التعليمية والتدريسية إلى أن المعايير المتبعة ستحقق العدالة للجميع.
إطلاق النافذة الواحدة
ويؤكد ماسو أن الواقع التربوي يشهد تعافيا في كافة مفاصله التعليمية والإدارية، حيث تم اتخاذ العديد من الخطوات المهمة لتدعيم ركائز العمل وبخاصة في الجانب الإداري لناحية تعويض النقص وتأهيل كوادر جديدة من كافة الاختصاصات وإخضاعهم لدورات تدريبية لتطوير الأداء الوظيفي وبما يخدم المسيرة التعليمية، وفي هذا السياق تم إحداث النافذة الواحدة لتسهيل وتبسيط الإجراءات وتخديم المعلمين والمواطنين، وحاليا تقدم “النافذة 9” خدماتها، ولاحقا سيتم إضافة خدمات جديدة تشمل كافة احتياجات المعلمين والمواطنين سواء ضمن اختصاصات مديرية التربية أو باقي الدوائر الحكومية، وذلك في إطار عمل منظم ومؤتمت.
أسباب تأخر الترفيعة
وحول سبب تأخر إصدار جداول الترفيعات للمعلمين والموظفين، بين ماسو أنه يتم العمل على إعداد قاعدة بيانات محدثة لحصر العدد الفعلي لمعلمي وموظفي مديرية التربية، ولتلافي حالات الخلل التي حدثت عام 2016، حيث تم منح الترفيعة بشكل غير مدروس، وشملت العديد من المدرسين المتوفين والمستقيلين، وحاليا نعمل على حل هذه المشكلة من خلال إصدار استمارة خاصة وتوزيع المعلمين والموظفين حسب الفئات على معتمدين وتعيين معتمدين في المجمعات التعليمية خارج المدينة لضبط هذه المسألة في إطارها القانوني والمالي.
جدلية التعليم الخاص
وبما يخص الجدل حول اتساع دائرة المعاهد التعليمية والمدارس الخاصة المخالفة وغير المرخصة والمنتشرة في المدينة، أكد مدير التربية أنه تم ضبط هذه المسألة من خلال تفعيل عمل الضابطة العدلية واتخاذ إجراءات صارمة ومشددة، حيث تم تشميع حوالي 120 معهدا تعليميا مخالفا، ويتم الاجتماع دوريا مع أصحاب هذه المعاهد والمدارس الخاصة لتحديد مهامهم والتزامهم بالشروط والقوانين الناظمة، وخاصة بما يتعلق بالقدرة الاستيعابية المسموحة لهم، وذلك بموجب تعهد خطي، كما أصدرنا عدة تعاميم للالتزام بمواعيد الدوام والتقيد بالإسعار والإعلان عنها رسميا، وبشكل واضح، في غرف الإدارة وعدم التعاقد مع أي معلم أو مدرس من داخل الملاك إلا بعد موافقة مديرية التربية، وخلاف ذلك سيتم تطبيق القانون وفرض العقوبات المسلكية والمالية بحق المعلم وإدارة المعهد.
وأشار ماسو إلى أن المديرية تعمل على وضع أسس ناظمة ومريحة للعملية التعليمية العامة والخاصة، وهناك مساعٍ وجهود لتخصيص الدوام الصباحي لطلاب المرحلة الثانوية، ما يساعد في انتظام واستقرار العملية التعليمية.
اهتمام استثنائي
في سياق حديثه، أكد ماسو أن مدرسة الباسل للمتفوقين تلقى اهتماما خاصا واستثنائيا، وهناك جهود كبيرة تبذل لاستقرار العملية التدريسية وتوفير أفضل الأجواء والمناخات المناسبة والمريحة بهدف تمكين الطلاب من متابعة تحصيلهم العلمي والحفاظ على تفوقهم وتميزهم.
تحديات
أوضح مدير التربية إبراهيم ماسو أن أبرز التحديات التي تواجه العمل التربوي خلال المرحلة الحالية والمستقبلية، هو تأهيل وصيانة أكبر عدد من المدارس وتأمين الكادر التعليمي للمناطق المطهرة النائية والبعيدة بالتزامن مع عودة الأهالي والحياة لهذه المناطق.
خطط مستقبلية
يشير ماسو أن مشروع تطوير المناهج يشكل أولوية ضمن الخطط الحالية والمستقبلية بهدف الانتقال من حالة التعليم إلى حالة التعلم، والتجديد في آلية إعطاء الدروس وتقبل المعلومات، مشيرا إلى أن الأخطاء التي وردت في المناهج تم تلافيها وتعديلها، وأن العمل يتم على النهوض بالواقع التعليمي وفق أسس ومعايير متطورة وحديثة وتدعيم روائز العمل من خلال توفير الوسائل التعليمية المساعدة ودعم قطاع التأهيل والتدريب، مبينا أن العملية التعليمية بحلب تلقى اهتماما متزايدا على المستوى الحكومي ومتابعة شخصية ومباشرة من السيد وزير التربية لإعادة إعمار وبناء ما دمره الإرهاب.
ما قبل وبعد الحرب الإرهابية
بلغ عدد المدارس في حلب وريفها قبل الحرب الإرهابية 4040 مدرسة للعام الدراسي 2010/2011، بقدرة استيعابية 1263000 طالب في مختلف المراحل، فيما بلغ عدد المعلمين 72 ألف معلم.
ونتيجة لتعرض المنظومة التعليمية للإرهاب، خرجت حوالي 2750 مدرسة عن الخدمة، ومنها ما تعرض إلى دمار جزئي والجزء الأكبر تعرض إلى دمار كلي.
وخسرت المنظومة التعليمية ما يقارب نصف كوادرها وموظفيها وإدارييها لأسباب مختلفة.